فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {واذكر عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشيطان بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} إلى قوله: {لأُوْلِي الألباب}.
قد قدمنا إيضاحه بالآيات القرآنية مع التعرض لإزالة ما فيه من الإشكال في سورة الأنبياء في الكلام على قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ} إلى قوله: {وذكرى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 8384].
قوله تعالى: {واذكر عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} الآية.
أمر الله جل وعلا، نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة، أن يذكر عبده إبراهيم ولم يقيد ذلك الذكر بكونه في الكتاب، مع أنه قيده بذلك في سورة مريم، في قوله تعالى: {واذكر فِي الكتاب إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا} [مريم: 41] الآية.
قوله تعالى: {واذكر إِسْمَاعِيلَ واليسع} الآية.
أطلق هنا أيضًا الأمر بذكر إسماعيل وقيده في سورة مريم بكونه في الكتاب في قوله تعالى: {واذكر فِي الكتاب إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوعد} [مريم: 54] الآية، وفي ذلك إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم إلى أنه صلى الله عليه وسلم مأمور أيضًا بذكر جميع المذكورين في الكتاب. ولذلك جاء ذكرهم كلهم في القرآن العظيم كما لا يخفى.
{وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52)} قد قدمنا الكلام عليه، في سورة الصافات في الكلام على قوله تعالى: {وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطرف عِينٌ} [الصافات: 48].
{إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)} ما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن نعيم الجنة، لا نفاد له، أي لا انقطاع له ولا زوال، ذكره جل وعلا في آيات أخر كقوله تعالى فيه: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108]. وقوله تعالى: {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ} [النحل: 96].
{إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)} قد قدمنا ما يوضحه، من الآيات القرآنية في مواضع متعددة، من هذا الكتاب المبارك، ذكرنا بعضها في سورة البقرة، في الكلام على قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الذين اتبعوا} [البقرة: 166] الآية، وذكرنا بعضه في سورة الأعراف، في الكلام على قوله تعالى: {حتى إِذَا اداركوا فِيهَا جَمِيعًا} [الأعراف: 38] الآية وغير ذلك من المواضع.
{قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76)} قد تقدم إيضاحه، مع بعض المباحث في سورة البقرة، في الكلام على قوله تعالى: {إِلاَّ إِبْلِيسَ أبى واستكبر وَكَانَ مِنَ الكافرين} [البقرة: 34].
{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)} قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة هود، وذكرنا الأحكام المتعلقة بالآيات، في الكلام على قوله تعالى عن نبيه نوح {وياقوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله} [هود: 29] الآية.
{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)} الحين المذكور هنا، قال بعض العلماء: المراد به بعد الموت، ويدل له ما قدمنا في سورة الحجر، في الكلام على قوله تعالى: {واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين} [الحجر: 99].
وقال بعض العلماء: الحين المذكور هنا، هو يوم القيامة ولا منافاة بين القولين، لأن الإنسان بعد الموت تتبين له حقائق الهدى والضلال.
واللام في لتعلمن موطئه للقسم، وقد أكد في هذه الآية الكريمة أنهم سيعلمون نبأ القرآن أي صدقه، وصحة جميع ما فيه بعد حين بالقسمن ونون التوكيد.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من تهديد الكفار بأنهم سيعلمون نبأه بعد حين، قد أشار إليه تعالى، في سورة الأنعام، في قوله تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الحق قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: 6667].
قال غير واحد من العلماء: لكل نبإ مستقر، أي لكل خبر حقيقة ووقوع، فإن كان حقًا تبين صدقه ولو بعد حين، وإن كان كذبًا تبين كذبه، وستعلمون صدق هذا القرآن ولو بعد حين. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45)} أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ {واذكر عبادنا إبراهيم} ويقول: إنما ذكر إبراهيم ثم ذكر بعده ولده.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم رضي الله عنه أنه قرأ {واذكر عبادنا} على الجمع إبراهيم وإسحاق ويعقوب.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أولي الأيدي} قال: القوة في العبادة {والأبصار} قال: البصر في أمر الله.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير رضي الله عنه {أولي الأيدي والأبصار} قال: أما اليد فهو القوة في العمل، وأما الأبصار فالبصر ما هم فيه من أمر دينهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه {أولي الأيدي} قال: القوة في أمر الله {والأبصار} قال: العقل.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {أولي الأيدي والأبصار} قال: أولي القوة في العبادة ونصرًا في الدين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار} قال: اخلصوا بذلك وبذكرهم دار يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه {إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار} قال: بذكر الآخرة، وليس لهم هم ولا ذكر غيرها.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه {إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار} قال: لهذه أخلصهم الله تعالى كانوا يدعون إلى الآخرة وإلى الله تعالى.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن {إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار} قال: بفضل أهل الجنة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير {ذكرى الدار} قال: عقبى الدار.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {واليسع} خفيفة. وعن الأعمش أنه قرأ {اليسع} مشددة.
{هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49)} أخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن في قوله: {جنات عدن مفتحة لهم الأبواب} قال: يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها. يقال لها انفتحي وانغلقي تكلمي، فتفهم وتتكلم.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن محمد بن كعب في قوله: {وعندهم قاصرات الطرف أتراب} قال: قصرن طرفهن على أزواجهن، فلا يردن غيرهن {أتراب} قال: سن واحد.
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس في قوله: {أتراب} قال: أمثال.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {إن هذا لرزقنا ما له من نفاد} أي من انقطاع {هذا فليذقوه حميم وغساق} قال: كنا نحدث أن الغساق ما يسيل من بين جلده ولحمه {وآخر من شكله أزواج} قال: من نحوه أزواج من العذاب.
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد عن أبي رزين قال: الغساق ما يسيل من صديدهم.
وأخرج هناد عن عطية في قوله: {وغساق} قال: الذي يسيل من جلودهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {وغساق} قال: الزمهرير {وآخر من شكله} قال: نحوه {أزواج} قال: ألوان من العذاب.
وأخرج هناد بن السري في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال: الغساق الذي لا يستطيعون أن يذوقوه من شدة برده.
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن بريدة قال: الغساق المنتن، وهو بالطخاوية.
وأخرج أحمد والترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن دلوًا من غساق يُهْرَاقُ في الدنيا لأنتن أهل الدنيا».
وأخرج ابن جرير عن كعب قال: {غساق} عين في جهنم يسيل إليها حمة كل ذات حمة من حية أو عقرب أو غيرها فليستنقع.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله: {وآخر من شكله أزواج} قال: الزمهرير.
وأخرج عبد بن حميد عن مرة قال: ذكروا الزمهرير فقال: {وآخر من شكله أزواج} فقالوا لعبد الله: إن للزمهرير بردًا فقرأ هذه الآية {لا يذوقون فيها بردًا ولا شرابًا إلا حميمًا وغساقًا} [النبأ: 24- 25].
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن الحسن في قوله: {وآخر من شكله أزواج} قال: ألوان من العذاب.
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: ذكر الله العذاب، فذكر السلاسل، والأغلال، وما يكون في الدنيا ثم قال: {وآخر من شكله أزواج} قال: آخر لم ير في الدنيا.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد أنه قرأ {وآخر من شكله} برفع الألف ونصب الخاء.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {وآخر من شكله} ممدودة منصوبة الألف.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {هذا فوج مقتحم معكم} إلى قوله: {فبئس القرار} قال: هؤلاء الأتباع يقولونه للرؤوس.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن مسعود في قوله: {فزده عذابًا ضعفًا في النار} قال: أفاعي وحيات.
{وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62)} أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن عساكر عن مجاهد في قوله: {وقالوا ما لنا لا نرى رجالًا كنا نعدهم من الأشرار} قال: ذلك قول أبي جهل بن هشام في النار: ما لي لا أرى بلالًا وعمارًا وصهيبًا وخبابًا وفلانًا..! {أتخذناهم سخريًا} وليسوا كذلك {أم زاغت عنهم الأبصار} أم هم في النار ولا نراهم.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله: {ما لنا لا نرى رجالًا كنا نعدهم من الأشرار} قال: عبد الله بن مسعود ومن معه.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن شمر بن عطية {وقالوا ما لنا لا نرى رجالًا} قال أبو جهل في النار: أين خباب؟ أين صهيب؟ أين بلال؟ أين عمار؟
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة {وقالوا ما لنا لا نرى رجالًا كنا نعدهم من الأشرار} قال: فقدوا أهل الجنة {أتخذناهم سخريًا أم زاغت عنهم الأبصار} قال: أم هم معنا في النار ولا نراهم {زاغت} أبصارنا عنهم فلم ترهم حين أدخلوا النار.
{قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66)} أخرج النسائي ومحمد بن نصر والبيهقي في الأسماء والصفات عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل قال: «لا إله إلا الله الواحد القهار، رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار».
{قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68)} أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو نصر السجزي في الابانة عن مجاهد في قوله: {قل هو نبأ عظيم} قال: القرآن.
وأخرج عبد بن حميد في الابانة ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة وابن جرير عن قتادة {قل هو نبأ عظيم} قال: إنكم تراجعون نبأ عظيمًا فأعقلوه عن الله {ما كان لي من علم بالملإِ الأعلى إذ يختصمون} قال: هم الملائكة عليهم السلام كانت خصومتهم في شأن آدم عليه السلام {إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} [البقرة: 30] إلى قوله: {إني خالق بشرًا من طين فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين} [البقرة: 30] ففي هذا اختصم الملأ الأعلى.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ما كان لي من علم بالملإِ الأعلى} قال: الملائكة حين شووروا في خلق آدم عليه السلام فاختصموا فيه: قالوا أتجعل في الأرض خليفة.
وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ما كان لي من علم بالملإِ الأعلى إذ يختصمون} قال: هي الخصومة في شأن آدم {أتجعل فيها من يفسد فيها}.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تدرون فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: يختصمون في الكفارات الثلاث: اسباغ الوضوء في المكروهات، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة».
وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه ومحمد بن نصر رضي الله عنه في كتاب الصلاة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني ربي الليلة في أحسن صورة أحسبه قال في المنام قال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت لا. فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي أو في نحري، فعلمت ما في السموات وما في الأرض ثم قال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم. في الكفارات، والمكث في المسجد بعد الصلوات، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، واسباغ الوضوء في المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه، وقل يا محمد إذا صليت: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون. قال: والدرجات. افشاء السلام، واطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام».